يترقب الجميع بتحفز واهتمام ما سمي استحقاق سبتمبر القادم وما ستسفر عنه المعركة الدبلوماسية من نتائج مباشرة وغير مباشرة في ظل استنفار واسع أعلن عنه طرفي الصراع الفلسطيني والإسرائيلي وفي خضم تحليلات متضاربة وتوقعات ٍ وتكهنات مختلفة تتفاوت بين وصف ما ستشهده الدورة القادمة للأمم المتحدة بتسونامي فلسطيني وبين اعتباره مجرد زوبعة في فنجان.
وأغرب ما في الأمر أن ما نذهب باتجاهه اليوم ليس حدثاً جديداً تماماً وغير مسبوق بالمطلق وإن صور بهذا الشكل عمداً أو بغير قصد ، بل هو حدث يشبه كثيراً في حيثياته وظروفه ما وقع في العام 1999م إثر توقيع إتفاق واي ريفر.
فإثر توقيع الاتفاق المذكور حاول نتنياهو التنصل منه والتلكؤ في تطبيقه وقدم أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست نصاً محرفاً ومغايراً لما جرى التوقيع عليه ، إلا أن خداعه لم ينطلي على اللجنة وتفجرت فضيحة وأزمة كبيرة حشد على إثرها زعيم كتلة العمل في الكنيست حاييم رامون 61 صوتاً تكفي لحجب الثقة عن الحكومة فاضطر نتنياهو مرغماً الإعلان عن انتخابات مبكرة في 17 / 5 / 1999م.
في ظل تلك الأجواء وكما كتب الأخ أبو مازن في كتابه سقوط نتنياهو: " نشأت فكرة إعلان الدولة الفلسطينية في ذلك التاريخ من الفراغ الذي يخلفه امتناع نتنياهو عن تطبيق الاتفاقيات وهدره الوقت ومحاولة القضاء على كل أمل في تحقيق السلام الشامل في المنطقة بخاصة وأن مدة القضايا الانتقالية والنهائية محددة بالتاريخ المتفق عليه وهو 4/ 5 / 1999م "
يضيف أبو مازن في شرحه لتلك الخطوة ما يلي: " إن الدولة الفلسطينية قد أعلنت بشكل رسمي في 15/ 11 / 1988م واعترفت بها أكثر من مائة وثلاثين دولة وافتتحت لها سفارات في معظم هذه الدول وهي لازالت قائمة وتؤدي بشكل رسمي مهمات للسلطة الفلسطينية ولذلك فإننا نستطيع القول بأن إعادة الإعلان ماهي إلا محاولة لإفهام العالم بأن حكومة نتنياهو لا ترغب في تطبيق الاتفاقيات وأن السلطة الفلسطينية تعبر عن احتجاجها وغضبها على هذا الموقف "." لابد ونحن نستعرض هذه المرحلة من أن نعرج على مفارق ثلاثة وضعت بصماتها عليها . وهذه المفارق هي القرار الذي صدر عن المجموعة الأوروبية والذي يؤيد موقف السلطة من إعلان الدولة ولكنه يتمنى عليها أن تنتظر ريثما تنجلي الأمور على الساحة الإسرائيلية ، والمفرق الثاني هو الرسالة التاريخية الهامة التي بعث بها الرئيس كلنتون للرئيس عرفات والتي تعتبر رسالة تاريخية تعبر بصدق عن موقف أمريكي متطور نحو الدولة الفلسطينية بشكل خاص والعلاقات الأمريكية الفلسطينية بشكل عام . والمفرق الثالث هو بيان المجلس المركزي ( لمنظمة التحرير الفلسطينية / بالمناسبة : حضر اجتماعها لأول مرة الشهيد الشيخ أحمد ياسين ) الذي أخرج المؤسسة الفلسطينية من مأزقها الذي تهيأ للبعض أنها وقعت فيه فأجل مسألة الإعلان عن الدولة ولكنه في نفس الوقت علق القضية كلها إلى حين ".
وخلال استعراضه للمزايا والفوائد المترتبة على تلك الخطوة توقف الأخ أبو مازن في تحليله عند مايلي:
- " رفع الشعار ( إعلان الدولة ) أسهم في تحريك القضية " وجعل " كثيراً من الدول تجيز للسلطة الفلسطينية أو تعذرها إذا ما أعلنت بشكل أحادي عن إقامة الدولة ما دامت إسرائيل تماطل في تطبيق الاتفاقيات والوصول إلى مفاوضات الحل النهائي التي ستكلل حسب القناعات الدولية بإعلان الدولة المستقلة وبالاتفاق الثنائي وبمباركة دولية ".
- " كانت مسألة إعلان الدولة إذا ما وضعت في الإطار حركة ذكية مارسها أبو عمار ، وإن لم يفصح للزملاء عن نواياه فظنوه سائراً حتى النهاية ، ولكنه كان يمسك بالمقود ، ويعرف متى يستخدم المكابح ومتى يطلقها "
ولكن رغم كل ما صحب تلك الحركة من إيجابيات وما جنته من مكاسب وفوائد وما اكتنفها من ظروف سياسية مناسبة تمثلت في انقضاء المدة المقررة للمفاوضات الانتقالية والنهائية وضعف وتهاوي حكومة نتنياهو وافتضاحها محلياً ودولياً وإتساع مدى التأييد والتعاطف مع الموقف الفلسطيني واستقوائه بقرار أوروبي مؤيد ورسالة أمريكية تاريخية من الرئيس كلنتون ، إلى جانب التئام جلسة المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بحضور أغلب فصائلها و الشيخ أحمد ياسين شخصياً وتحقق وحدة فلسطينية فريدة و متماسكة ، وعدم ذهاب الموقف الفلسطيني بعيدا إلى حد طلب عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة مع كل ما يعترضه من مصاعب وعقبات وتهديدات وإجراءات انتقامية .. رغم كل ذلك دوّنَ الأخ أبو مازن قناعته التالية :
" على الرغم من إجماع الأغلبية على المطالبة بهذا الإعلان إلا أنني أراه غير عملي ، ولايمكن بأي حال من الأحوال تجسيده على أرض الواقع وذلك بسبب التمزق الجغرافي الذي تعيشه الأرض الفلسطينية وبسبب تعدد صفات هذه الأرض من ( أ ) إلى ( ب ) إلى ( ج ) إلى مواقع عسكرية وإلى مستوطنات وغيرها. وفوق كل ذلك فإن المنافذ البحرية والجوية والبرية مازالت بيد الإسرائيليين ولهم القرار الأول في السماح أو عدم السماح لأي كان بالدخول أو الخروج .. إضافة إلى أن القيادة الفلسطينية ستكون في سجن صغير لا تملك فيه حرية الحركة ولا وسائل الاتصال "
يتبع ..
دمتم بخير